توارث جو بايدن إثر قرار تاريخي التخلي عن الحملة الانتخابية لـ 2024

في نفس المكان الذي سيطر عليه المتمردون قبل أسابيع قليلة فقط في 6 يناير/ كانون الثاني 2021، أدى جو بايدن اليمين الدستورية وسط احتياجات البلاد المعزولة والمريضة والمعنوية المتدهورة والتي كانت تطالب بضرورة فعاليته.
وقال: "سنعمل على ذلك، مدركين أن الوقت والحركة التاريخية وتدفق الأحداث لا يرحمون".
"سنواصل العمل بسرعة وإلحاح، لأن لدينا الكثير من العمل في هذا الشتاء الذي يحمل في طياته الخطر والإمكانية".
وفي اليوم الذي سبق أدائه اليمين، وضع بايدن حداً للخسائر المأساوية التي وصلت إلى 400 ألف حالة وفاة جراء الإصابة بفيروس كورونا. وبمرور أقل من خمسة أسابيع، وصلت أعداد الوفيات إلى 500 ألف، وفي تعليقاته التي تذكر فيها الضحايا، جعلها شخصية بمستوى عاطفي وتعاطف كبيرين كان هذا هو شعار حياته السياسية.
وقال: "إنها أرواح أُخمدت بواسطة هذا الفيروس أكثر من أي دولة أخرى على كوكب الأرض. من أجل الشفاء، يجب أن نتذكر. أعلم أن الأمر صعب. أعدكم، أعلم أن الأمر صعب".
كانت الجائحة أكثر فتكاً مما استطاع بايدن فهمه في ذلك اليوم. قتل فيروس كورونا أكثر من 700 ألف أميركي تحت إدارته، وعندما بدأ يواجه أسئلة في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي عام 2024، أصبح عمره هدفاً سياسياً. وكان منافسه في تلك الانتخابات التمهيدية، نائب الرئيس كامالا هاريس، يستخدم الفيروس وأعمارهما لتصوير بايدن على أنه مبتعد عن الواقع. وفي اليوم الذي سبق قراره بالانسحاب بفترة قصيرة، كان بايدن يصارع فيروس كورونا. وفي الأسابيع الأخيرة من الانتخابات التمهيدية، أجبره الفيروس على العزل الذاتي، مما دفعه إلى إلغاء ظهور حملة انتخابية في فيلادلفيا.
كانت الأعراض التي تعرض لها بسبب إصابته بفيروس كورونا هي السبب وراء الإعلان المفاجئ لبايدن بأنه لن يسعى إلى الحصول على ولاية ثانية. وأعلن عن ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بدلاً من إعلانه بشكل شخصي. وكان آخر مرة قام فيها بايدن بإعلان سياسي مهم عندما أخبر مشاهدي برنامج "لايت نايت ويذ ديفيد ليترمان" على شبكة "أن بي سي" أنه لن يترشح في السباق الرئاسي عام 2016 بسبب وفاة نجله بييو مؤخراً.
يعدّ بايدن مقاتلاً طوال حياته، ولد عام 1942، ليصبح بذلك أول رئيس يولد قبل جيل الأطفال الذين ولدوا بعد الحرب العالمية الثانية منذ عام 1993، وأكبر رئيس أعيد تنصيبه على الإطلاق. وترعرع في أسرة من الطبقة العاملة في سكرانتون في ولاية بنسلفانيا. وفي حين عانت الاقتصاد، وفقد والده وظيفته، انتقلت العائلة إلى ديلافير.
ومن خلال تلك الفترة، غرس والده قيم العمل الشاق في بايدن.
وقال بايدن غالباً: "كان أبي لديه عبارة يستخدمها. قال: جو، الأمر ليس مسألة نجاح، الأمر ليس مسألة تعرضك للكnockdown، بل سرعة انتصابك مرة أخرى".
"وهذه القيمة المتعلقة بالنهوض مرة أخرى هي التي صنعت حياتي بالكامل".
وقد لعب كرة القدم وحصل على درجة البكالوريوس عام 1965 من جامعة ديلافير ودرس في جامعة سيراكيوز كلية القانون.
وفي عام 1968، أي قبل ثلاث سنوات من ذلك الوقت، بدأ في الشهرة كسياسي، عندما حصل على انتصار مفاجئ في مجلس مقاطعة نيوايسبورت. وكان نجماً محلياً في ولاية كان يسيطر عليها المشهد السياسي بها شخصيات ذات حضور كبير، لا يخشون التودد إلى الآخرين والتودد بالشرب.
وقال: "أعتقد أنه أحد الأسباب التي أكسبتني الفوز هو أنهم يثقون بي أكثر بشأن أنني سأقول ما أؤمن به"، حسبما ذكر لـ "60 دقيقة" في ذلك الوقت.
وفي خريف عام 1972، صار بايدن محلاً للحديث على الصعيد الوطني عندما تقدم إلى مجلس الشيوخ الأميركي، وهو المرشح الأوفر حظاً عن عمر 29 عاماً، ويتمتع بشخصية تقول ما هو عليه.
وقال لناخبين في مقاطعة نيوايسبورت: "إذا أعجبتك ما تراه، فساعدوني. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فاقترعوا لصالح الآخر".
وبعد أربعة أشهر، حدث مأساة. كان جو بايدن الابن وزوجته نييلي لديهما ثلاثة أطفال صغار هم: هانتر، 12 عاماً؛ بييو، 9 سنوات؛ ونويومي، 1 عاماً فقط.
وفي يوم 18 ديسمبر/ كانون الأول، وفي وقت كان يجلس فيه في السيارة مع زوجته ونويومي في انتظار خروج أطفاله من المدرسة في حركة المرور التي تلي نهاية اليوم الدراسي، فقد سائق السيارة السيطرة عليها. وقتل زوجة بايدن وابنته، وكانت قوة اصطدام سيارتهما بالشجرة هي التي أطاحت بنويومي قتلت.
وكان ابني بايدن الاثنين في السيارة التي تأتي خلف بايدن؛ وأصيب بييو بكسر في الرقبة، وهانتر كسر في عظمة الرقبة.
وقال بايدن: "شعرت بأن جزءاً مني مات في ذلك اليوم".
وأدى مجلس ولاية ديلافير النيابي والتشريعي يمين بايدن في المستشفى.
وسيقول لاحقاً أنه كان أطفاله هم من دفعوه إلى الأمام — الوعد لهم ولزوجته.
وقال: "لا تعلمون مدى الصعوبة التي يشعر بها المرء عند العودة إلى المنزل ليلاً والنظر إلى أبنائه وعلم أنهم لن يحصلوا على أم أخرى، ولا تعلم كيف ستساعدهم. كيف ستكون قوياً بما فيه الكفاية لهم".
ويقول بايدن إنه كان يأخذ أطفاله إلى المنزل كل ليلة من منزل جدودهم، ويذهب إلى واشنطن يومياً للعمل، حتى يتمكن من أن يكون معهم في المساءات.
وفي عام 1975، التقى بايدن جيل جاكوبز في لقاء عشوائي؛ وبعد عامين، تزوجا. وولدت ابنتهما آشلي في عام 1981.
وقال بايدن بعد سنوات من ذلك الحدث، "أطلب من أي امرأة، الجميع يعرف أنني أحبها أكثر مما تشعر هي بحبها لي".
وفي مجلس الشيوخ الأميركي، كان بايدن شاباً ليبرالياً من الحزب الديمقراطي عارض الحرب في فيتنام وأصبح صوتاً مبكراً ومتذمراً ضد نظام التمييز العنصري في جنوب إفريقيا المعروف باسم الفصل العنصري.
وكان أول ترشحه للرئاسة في عام 1987 لكنه انسحب من السباق بسبب أسئلة حول ما إذا كان قد سرق جزءاً من خطاب ألقاه في لندن.
وفي العام التالي، تعرض لتمزقين في الشرايين الدماغية. وقال لـ "60 دقيقة" إنه لم يكن يخشى الموت.
وقال بايدن لاحقاً لـ "60 دقيقة": "كنت شخصاً متفاخراً جداً في ذلك الوقت، просто لم أشعر بالخوف. إن الأمر حقاً مذهل. بالطبع لا تريد الموت، لكنك لا تشعر بقليل من القلق حيال الأمر".
وبين عملياته السياسية البارزة في مجلس الشيوخ، هي تلك التي حدثت خلال جلسات التأكيد التي كان يمر بها قاضي المحكمة العليا كلارنس توماس. واتهمت المدعية أنита هيل توماس بتحرشها جنسياً في أوائل الثمانينيات، عندما كانت تعمل معه في وزارة التربية والتعليم والمجلس الوطني لمساواة فرص العمل. وكانت شهادتها موضع ازدراء من قبل لجنة العدل لمجلس الشيوخ، والتي كانت مكونة من رجال بيض فقط. وقد تحمل بايدن انتقادات شديدة آنذاك ولاحقاً بسبب الطريقة التي تم التعامل معها بها. و是否认了这些指控。بايدن أعلن أن تحقيق وكالة التحقيقات الفيدرالية (FBI) لم يثبت شيئاً.
وفي عام 2019، قال بايدن: "حتى هذه اللحظة يأسف على أنه لم يتمكن من إيجاد طريقة للحصول على نوع من الاعتراف الذي يستحقه". وفي خطاب ألقاه في حدث لتكريم النساء اللاتي أظهرن "شجاعة بايدن"، قال بايدن إن هيل "دفع ثمناً رهيباً" عندما أدلت بشهادتها أمام "مجموعة من الرجال البيض".
وقال: "عادت إلى المنزل، وتمت مطاردتها. أعني، تم ملاحقتها فعلاً. كان من المستحيل تصديق مدى قسوتنا تجاهها... يزال هذا الأمر يؤلمني".
وفي عام 1994، قاد بايدن مشروع قانون قديم بشأن الجرائم عبر مجلس الشيوخ. وكان يعد أحد إنجازاته التشريعية التي يعتز بها. وقال المنتقدون إن هذا القانون أدى إلى زيادة أعداد السجناء، وساهم في عمليات الاعتقال الجماعي في الولايات المتحدة. وكان يشتمل أيضاً على حظر الأسلحة الهجومية.
وقد ترشح بايدن للرئاسة في عام 2008، واحتل المركز الثاني وراء الفائز بالرئاسة لاحقاً، النائب السابق باراك أوباما من إلينوي. وفي تلك الفترة، اختار أوباما بايدن ليكون نائباً له في انتخابات الرئاسة، وحال توليه منصب نائب الرئيس، راقب بايدن إنفاق المليارات على حزم تحفيزية خلال أسوأ أزمة اقتصادية يشهدها البلاد منذ الكساد الكبير.
وقد اشتهر بايدن بسبقه أوباما في إعطاء موافقته على الزواج المثلي. وقال في مقابلة مهمة لبرنامج "ميتس ذي بريس" على شبكة "أن بي سي" في مايو/ أيار 2012: "جميع ما يحدث هو مقترح بسيط: من تحبه".
وقد نصح رئيس الولايات المتحدة أوباما بالانتظار لجمع معلومات استخبارية إضافية قبل شن الغارة التي قتلت زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. كما كان من أشد المتحمسين لزيادة عدد القوات في أفغانستان عام 2009.
وعرف بايدن ببعض الأخطاء القولية التي لا تنسى، أبرزها: "نحن نختار الحقيقة بدلاً من الحقائق"، بحسب ما قاله في مهرجان ولاية أيوا الزراعي عام 2019.
وقال لناخبي ولاية فيرجينيا: "سيضعونك مرة أخرى في الأغلال"، في إشارته إلى خطة الميزانية الجمهورية.
وفي عام 2016، لم يستغب بايدن فرصة ترشحه للرئاسة بعد وفاة نجله بييو، قاضي المحكمة العليا في ديلافير، جراء مرض سرطان الدماغ.
وفي يناير/ كانون الثاني 2015، كان بايدن في ولايته عندما توفي نجله بسبب سرطان الدماغ عن عمر يناهز 46 عاماً. وقال بايدن في جنازة بييو بايدن: "أريد أن أوضح أمراً واحداً: بييو هو الشخص الأقوى الذي عرفته أبداً. لم يยอม أن يستسلم.
"كان يقاتل ويقاتل ويقاتل ويقاتل ويقاتل، بييو هو بايدن الحقيقي".
وبدأ حملة بايدن الرئاسية عام 2020 بشكل مخيب للآمال مع خسارته أمام السيناتور السابق بيرني ساندرس من Vermont في الانتخابات التمهيدية في أيوا وفي ولاية نيو هامبشاير.
ولكن قام فريق حملته باستدعاءه من جديد بفوز بايدن الواضح في ولاية كارولينا الجنوبية.
وقال في خطاب نصرة يوم الثلاثاء الكبير: "لكل أولئك الذين تم إسقاطهم، وإخراجهم من اللعبة، والذين تركهم، دعوني أقول لكم: هذه حملتكم".
وفي وقت تفشى فيه جائحة فيروس كورونا، لفترة من الوقت، نظم بايدن حملته افتراضياً — من المقصورة السفلية لمنزله. وقال: "إنها حرب ضد هذا الفيروس".
وقد قام بايدن بإنجاز تاريخي باختياره عضوة مجلس الشيوخ عن كاليفورنيا، كامالا هاريس لتكون شريكها في الانتخابات الرئاسية. وكانت هاريس أول امرأة من أصل أفريقي من حزب كبير يتم ترشيحها لمنصب نائب الرئيس. وقال بايدن عن هاريس: "هي مستعدة لتنفيذ هذه الوظيفة في اليوم الأول".
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني من ذلك العام، هزم بايدن الرئيس دونالد ترامب بأكثر من 7 ملايين صوت. وأهمل بايدن ادعاءات ترامب بشأن تزوير الانتخابات، وشرع على الفور في الاستعدادات لوضع الجائحة تحت السيطرة. وفي الـ100 يوم الأولى من توليه السلطة، سارع بايدن في توزيع اللقاح وضغط بقوة من أجل تمرير خطة دعم كورونا بقيمة 1.9 تريليون دولار عبر الكونغرس بمعظم أعضاء الحزب الديمقراطي.
وضبط بايدن نفسه كيديم منفتح وسعى إلى تصوير نفسه كرجل سلام سيضع الخلافات السياسية جانباً. وتعهد بايدن "إعادة الروح إلى أميركا"، وعهد إلى نفسه بأنه سيكون رئيساً "ليس لنصف الأميركيين فقط، بل للأميركية بأكملها".
وقال لجورج ستيفانوبولوس من شبكة "إيه بي سي" في اليوم التالي لانتخابه: "روح أميركا هي شيء واحد، وهو الاعتدال".
وقال لجمهور في كارولينا الجنوبية في يناير/ كانون الثاني 2021: "أنا من تقدميين. وقد كنت كذلك لفترة طويلة. الآن، هذا لا يعني أنني قادراً على تحقيق كل ما يجب القيام به. لكنني أؤمن قناعة تامة بأني سأتمكن من تحقيق الكثير الكثير أكثر من الشخص الذي يمثل البديل".
وبصفته رئيساً، وقع بايدن على أكبر مشروع قانون للبنى التحتية في الولايات المتحدة منذ جيل، وعين أول امرأة سوداء في المحكمة العليا — القاضية كيتانجي براون جاكسون، وهي المرشح الوحيد لبايدن للمحكمة العليا حتى الآن. وقد قام بايدن بوضع الولايات المتحدة في مكان أكثر تقدماً بين ماضيه وحاضره، وحتى نحو مستقبل أكثر عدالة واستيعاباً.